كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال مقيدة عفا الله عنه: وكونهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ليس بوجيه عندي. لأن قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ} صيغة تدل على الوقوع في الزن الماضي، ولا يمكن صرفها إلى المستقبل إلا بدليل يجب الرجوع إليه كما ترى. والظاهر أنهم اليهود والنصارى وغيرهم من الكافر الذين خلفوا أنبياءهم وصالحيهم قبل نزول الآية، فاضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، وعلى كل حال فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فكل خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات يدخلون في الذم والوعيد المذكور في هذه الآية، واتباع الشهوات المذكور في الآية عام في اتباع كل مشتهى يشغل عن ذكر الله وعن الصلاة، وعن علي رضي الله عنه: من بنى المشيد، وركب المنظور، ولبس المشهور- فهو ممن اتبع الشهوات.
وقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيًّا}.
اعلم أولًا أن العرب تطلق على كل شر. والرشاد على كل خير. قال المرقش الأصغر:
فمن يلق خيرًا يحمد الناس أمره ** ومن يغو لا يعدم على الغي لائما

فقوله: (ومن يغو) يهني ومن يقع في شر. والإطلاق المشهور هو أن الغي الضلال. وفي المراد بقوله: (غيا) في الآية أقوال متقاربة، منها- أن الكلام على حذف مضاف، اي فسوف يلقون جزاء غي، ولا شك أنه سيلقون جزاء ضلالتهم. وممن قال بهذا القول: الزجاج. ونظير هذا التفسير قوله تعالى: {يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68] عند من يقول إن معناه يلق مجازاة أثامه في الدنيا، ويشبه هذا المعنى قوله تعالى: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10]، وقوله: {أولئك مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النار} [البقرة: 174]. فأطلق النار على ما أكلوا في بطونهم في الدنيا من المال الحرام لأنها جزاؤه. كما أطلق الغي والأثام على العذاب لأنه جزاؤهما. ومنها- أن الغي في الآية الخسران والحصول في الورطات. وممن روي عنه هذا القول: ابن عباس، وابن زيد. وروي عن ابن زيد أيضًا {غيًا} اش شرًا أو ضلالًا أو خيبة. وقال بعضهم: إن المراد بقوله: {غيا} في الآية: واد في جهنم من قيح، لأنه يسيل فيه قيح أهل الناء وصديدهم، وهو بعيد القعر خبيث الطعم. وممن قال بهذا ابن مسعود، والبراء بن عازب. وروي عن عائشة، وشفي بن ماتع.
وجاء حديث مرفوع بمقتضى هذا القول من حديث أبي أمامة وابن عباس فيه: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن غيًا واد في جهنم» كما في حديث ابن عباس. وفي حديث أبي أمامة: «أن غيا وأثاما: نهران في أسفل جهنم، يسييل فيهما صديد أهل النار». والظاهر أنه لم يصح في ذلك شيء عن النَّبي صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية حديث ابي أمامة صدي بن عجلان الباهلي الذي أشرنا له آنفًا، ثم قال: هذا حديث غريب ورفعه منكر.
وقيل: إن معنى فسوف يلقون غيًا أي ضلالًا في الآخرة عن طريق الجنة، ذكره الزمخشري. وفيه أقوال أخر، ومدار جميع الأقوال في ذلك على شيء واحدن وهو: أن أولئك الخلف الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات سوف يلقون يوم القيامة عذابًا عظيمًا.
فإذا عرفت كلام العلماء في هذه الآية الكريمة، وأن الله تعالى توعد من أضاع الصلاة واتبع الشهوات بالغي الذي هو الشر العظيم والعذاب الأليم. فاعلم أنه أشار إلى هذا المعنى في مواضع أخر كقوله في ذم الذين يضيعون الصلاة ولا يحافطون عليها وتهديدهم: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الذين هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ الذين هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الماعون} [الماعون: 4-7]، وقوله في ذم المنافقين: {وَإِذَا قاموا إِلَى الصلاة قَامُواْ كسالى يُرَاءُونَ الناس وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلًا} [النساء: 142]، وقوله فيهم أيضًا: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصلاة إِلاَّ وَهُمْ كسالى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: 54]. وأشار في مواضع كثيرة إلى ذك الذين يتبعون الشهوات وتهديدهم، كقوله تعالى: {والذين كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعام والنار مَثْوًى لَّهُمْ} [محمد: 12]، وقوله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأمل فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر: 3]، وقوله تعالى: {كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 47] إلى غير ذلك من الآيات. ويفهم من مفهوم مخالفة الآية الكريمة: أن الخلف الطيبين لا يضيعون الصلاة، ولا يتبعون الشهوات، وقد اشار تعالى إلى هذا في مواضع من كتابه. كقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون الذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1-2] - إلى قوله- {والذين هُمْ على صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أولئك هُمُ الوارثون الذين يَرِثُونَ الفردوس هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 9-11]، إلى عير ذلك من الآيات. وكقوله: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النفس عَنِ الهوى فَإِنَّ الجنة هِيَ المأوى} [النازعات: 40-41] إلى غير ذلك من الآيات.
مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة:
المسألة الأولى:
- أجمع العلماء على أن تارك الصلاة، الجاحد لوجوبها كافر، وأنه يقتل كفرًا ما لم يتب. والظاهر أنت ترك ما لا تصح الصلاة دونه كالوضوء وغسل الجنابة كتركها. وجحد وجوبه كجحد وجوبها.
المسألة الثانية:
- اختلف العلماء في تارك صلاة عمدًا تهاونًا وتكاسلًا مع اعترافه بوجوبها، هل هو كافر أو مسلم. وهل يقتل كفرًا أو حدًا أو لا يقتل. فذهب بعض أهل العلم إلى أنه كافر مرتد يستتاب، فإن تاب فذلك. وإن لم يتب قتل كفرًا. وممن قال بهذا: الإمام أحمد رحمه الله في أصح الوايتين. وهو مروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وبه قال ابن المبارك، وإسحاق بن راهوية، ومنصور الفقيه من الشافعية. ويروى أيضًا عن أبي الطيب بن سلمة من الشافعية.
وهو رواية ضعيفة عن مالك. واحتج أهل هذا القول بأدلة، منها قوله تعالى: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكاة فَإِخْوَانُكُمْ} [التوبة: 11] الآيو. ويفهم من مفهوم الآية: أنهم إن لم يقيموا الصلاة لم يكونوا من إخوان المؤمنين، ومن انتفت عنهم إخوة المؤمنين فهم من الكافرين، لأن الله يقوله: {إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] الآية. ومنها حديث جابر الثابت في صحيح مسلم عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم من طريقين. لفظ المتن في الأولى منهما: سمعت النّبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» ولفظ المتن في الأخرى: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة»- انتهى منه. وهو واضح في أن تارك الصلاة كافر، لأن عطف الشرك على الكفر فيه تاكيد قوي لكونه كافرًا. ومنها حديث أم سلمة، وحديث عوف بن مالك الآتيين الدالين على قتال الأمراء إذا لم يصلوا، وهما في صحيح مسلم مع حديث عبادة بن الصامت المتفق عليه قال: بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا، وإلا ننازع الأمر أهله. قال: «إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان» فدل مجموع الأحاديث المذكورة أن ترك الصلاة كفر بواح عليه من الله برهان. وقد قدمنا هذه الأحاديث المذكورة في سورة (البقرة). وهذا من أقوى أدلة أهل هذا القول. ومنها حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر» أخرجه الإمام أحمد، وأصحاب السنن، وابن حبان والحاكم. وقال الشوكاني في (نيل الأوطار) في هذا الحديث: صححه النسائي، والعراقي. وقال النووي في شرح (المهذب): رواه الترمذي والنسائي، قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم في المستدرك بعد أن ساق هذا الحديث بإسناده: هذا حديث صحيح الإسناد، لا تعرف له علة بوجه من الوجوه. فقد احتجا جميعًا بعبد الله بن بريدة عن أبيه. واحتج مسلم بالحسين بن واقد، ولم يخرجاه بهذا اللفظ. ولهذا الحديث شاهد صحيح على شرطهما جميعًا. أخبرنا أحد بن سهل الفقيه ببخارى، حدثنا قيس بن أنيف، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا بشر بن المفضل، عن الجريري عن عبد الله بن شقيق، عن أبي هريرة قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. وأقره الذهبي على تصحيحه لحديث بريدة المذكور. وقال في أثر ابن شقيق عن أبي هريرة المذكور: لم يتكلم عليه وإسناده صالح.
قال مقيده عفا الله عنه: والظاهر أن قوله الحافظ الذهبي رحمه الله (لم يتكلم عليه) سهو منه، لأنه تكلم عليه في كلامه على حديث بريدة المذكور آنفًا، حيث قال: ولهذا الحديث شاهد صحيح على شركهما جميعًا.
يعني اثر ابن شقيق المذكور كما ترى. وقال النووي في شرح المهذب: وعن عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي المتفق على جلالته: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. رواه الترمذي في كتاب الإيمان بإسناد صحيح- اه منه، وقد ذكر النووي رحمه الله في كلامه هذا الاتفاق على جللاة ابن شقيق المذكور مع أن فيه نصبًا. وقال المجد في المنتفى: وعن عبد الله بن شقيق العقيلي كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخره. ثم قال: رواه الترمذي اه، ولا يخفى عليك أن رواية الحاكم فيها أبو هريرة ورواية الترمذي ليس فيها أبو هريرة. وديث بريدة بن الحصيب، وأثر ابن شقيق المذكور أن فيها الدلالة الواضحة على أن ترك الصلاة عمدًا تهاونًا كفر ولو أقر تاركها بوجوبها. وبذلك يعتضد حديث جابر المذكور عند مسلم.
ومن الأدلة الدالة على أن ترك الصلاة كفر- ما رواه الإمام أحمد والطبراني في الكبير والأوسط من حديث عبد الله بن عمر بن العاص عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، أنه ذكر الصلاة يومًا فقال: «من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة. ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفروعون وهامان وأبي بن خلف» اهـ. وهذا الحديث أوضح دلالة على كفر تارك الصلاة، لأن انتفاء النور والبرهان والنجاة، والكينونة مع فروعون وهامان وقاورن وابي بن خلف يوم القيامة اوضح دليل على الكفر كما ترى. وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد) في هذه الحديث: رواه احمد والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال أحمد ثقات اهـ. وفي الباب أحاديث غير ما ذكرنا، منها ما هو ضعيف، ومنها ما هو صالح للاحتجاج، وذكر طرفًا منها الهيثمي في مجمع الزوائد. وفيما ذكرناه كفاية.
وذهبت جماعة من أهل العلم إلى تارك الصلاة عمدًا تهاونًا وتكالًا غذا كان معترفًا بوجوبها غير كافر، وأنه يقتل حدًا كالزاني المحصن لا كفرًا. وهذا هو مذهب مالك وأصحابه، وهو مذهب الشافعي وجمهور أصحابهن وعزاه النووي في شرح المهذب للأكثرين من السلف والخلف، وقال في شرح مسلم: ذهب مالك والشافعي رحمهما الله تعالى والجماهير من السلف والخلف- غلى أنه لا يكفر بلا يفسق ويستتاب. فإن تاب وإلا قتلناه حدًا كالزاني المحصن ولكنه يقتل بالسيف اهـ.
واعلم أن هذا القول يحتاج إلى الدليل من جهتين وهما عدم كفره، وأنه يقتل.
وهذه أدلتهم على الأمرين معًا. أما أدلتهم على أنه يقتل:
فمنها قوله تعالى: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكاة فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] فإن الله تعالى في هذه الاية اشترط في تخلية سبيلهم إقامتهم الصلاة. ويفهم من مفهوم الشرط أنهم إن لم يقيموها لم يخل سبيلهم وهو كذلك.
(ومنها) ما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكانة. فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها» اهـ.
فهذا الحديث الصحيح يدل على أنهم لا تعصم دماؤهم ولا أموالهم إلا بإقامة الصلاة كما ترى.
(ومنها) ما أخرجه الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بعث علي رضي الله عنه هو باليمن إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم بذهبية فقسمها بين أربعة. فقال رجل: يا رسول الله، اتق الله. فقال: «ويلك أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟!» ثم ولى الرجل، فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ فقال: «لا، لعله أن يكون يصلي» فقال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا اشق بطونهم» مختصر من حديث متفق عليه. فقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح: «لا» يعني لا تقلتله. وتعليله ذلك بقوله: «لعله أن يكون يصلي» فيه الدلالة الواضحة على النهي عن قتل المصلي. ويفهم منه أنه إن لم يصل يقتل، وهو كذلك.
ومنها ما رواه مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون. فمن كره فقد برىء، ومن أنكر فقد اسلم، ولكم من رضي وتابع» قالوا: يا رسول الله، ألا نقاتلهم؟ قال: «لا ما صلوا» هذا هذا لفظ مسلم في صحيحه. و«ما» في قوله: «ما صلوا» مصدرية ظرفية. اي لا تقاتلوهم مذة كونهم يصلون. ويفهم منه أنهم غن لم يصلوا قوتلوا، وهو كذلك، مع أنه صلى الله عليه وسلم قال في حديث عبادة بن الصامت المتفق عليه: «إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان» فحديث أم سلمة هذا ونحو حديث عوف بن مالك الآتي يدل على قتل من لم يصل، وبضميمة حديث عبادة بن الصامت ئإىل ذلك يظهر الدليل على الكفر بترك الصلاة. لأنه قال في حديث عبادة بن الصامت: «إلا أن تروا كفرًا بواحًا..» الحديث. وأشار في حديث أم سلمة وعوف بن مالك: إلى أنهم إن تركوا الصلاة قوتلوا. فدل ذلك على أن تركها من الكفر البواح. وهذا من أقوى أدلة أهل القول الأول. وحديث عرف بن مالك المذكور هو ما رواه مسلم في صحيحه عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ قال: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم وشرار أئمتكم الذين تبغضوهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا، ما اقاموا فيكم الصلاة..» الحديث. وفيه الدلالة الواضحة على قتالهم إذا لم يقيموا الصلاة كما ترى.
ومن أدلة أهل هذا القول على قتل تارك الصلاة: ما رواه الأئمة الثلاثة: مالك في موطئه، والشافعي، وأحمد في مسنديهما عن عبيد بن عدي بن الخيار: أن رجلًا من الأنصار حدثه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلس يساره يستأذنه في قتل رجل من المنافقين. فجهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟ قال الأنصاري: بلى يا رسول الله، ولا شهادة له! قال: أليس يشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: بلى ولا شهادة له! قال: أليس يصلي؟ قال: بلى ولا صلاة له. قال: أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم» اهـ. وفي رواية عنهم: هذا هو خلاصة أدلة أهل هذا القول على قتل تارك الصلاة. واعلم أن جمهور من قال بقتله يقولون إنه يقتل بالسيف. وقال بعضهم: يضرب بالخشب حتى يموت. وقال ابن سريج: ينخس بحديدة او يضرب بخشبة، ويقال له: صل وإلا قتلناك، ولا يزال يكرر عليه حتى يصلي أو يموت.
واختلفوا في استتابته. فقال بعضهم: يستاب ثلاثة ايام. فإن تاب وإلا قتل. وقال بعضهم: لا يستتاب. لأنه يقتل حدا والحدود لا تسقط بالتوبة. وقال بعضهم: إن لم يبق من الضروري غلا قدر ركعة ولم يصل قتل. وبعضهم يقول: لا يقتل حتى يخرج وقتها. والجمهور على أنه يقتل صلاة واحدة، وهو ظاهرر الأدلة. وقيل: لا يقتل حتى يترك أكثر من واحدة. وعن الإمام أحمد روايتان: إحداهما أنه لا يقتل حتى يضيق وقت الصلاة الثانية المتروكة مع الأولى. والأخرى لا يقتل حتى يضيق وقت الرابعة.
قال مقيدة عفا الله عنه وغفر له: اظهر الأقوال عندي أنه يقتل بالسيف وأنه يستتتاب، للإجماع على قبول توبته إذا تاب. والأظهر أنه يستتاب في الحال، ولا يمهل ثلاثة أيام وهو يمتنع من الصلاة لظواهر النصوص المذكورةن وأنه لا يقتل حتى لا يبقى من الوقت الضروري ما يسع ركعة بسجدتيها. واللهم عند الله تعالى. وأما أدلة أهل هذ القول على عدم كفرهن فمنها قوهل تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 116]. ومنها حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه الذي رواه مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز: أن رجلًا من بني كنانة يدعى المخدجي مع رجلًا بالشام يكنى أبا محمد يقول: إن الوتر واجب. فقال المخدجي: فرحت: غلى عبادة بن الصامت فاعترضت له وهو رائح غلى المسجد فأخبرته بالذي قال أبو محمد، فقال عبادة: كذب أبو محمد! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خمس صلوات كتبهن الله عز وجل على العباد فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئًا استخفافًا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة. ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخلة الجنة» اهـ. منه بلفظه. وفي سنن ابي داود: حدثنا القعنبي عن مالكن عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن حبان، غلى آخر الإسناد والمتن كلفظ الموطأ الذي ذكرتا. وفي سنن النسائي: أخبرنا قتيبة عن مالك عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان. إلى آخر الإسناد والمتن كاللفظ المذكور. وفي سنن ابن ماجة: حدثنا محمد بن بشارن ثنا ابن أبي عدي عن شعبة، عن عبد ربه بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز عن المخدجي، عن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خمس صلوات افتراضهن الله على عباده..» إلى آخر الحديث المذكور بمعناه قريبًا من لفظه. ومعلوم أن رجال هذا الأسانيد ثقات معروفون إلا المخدجي المذكور وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وبتوثيقه تعلم صحة الحديث المذكور، وله شواهد يعتضد بها ايضًا. قال أبو داود في سننه: حدثنا محمد بن حرب الواسطي، ثنا يزيد يعني ابن هارون، ثنا محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي قال زعم أبو محمد: أن الوتر واجب. فقال عبادة بن الصامت كذب أبو محمد، أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خمس صلوات افترضهن الله..» إلى آخر الحديث بمعناه. وعبد الله الصنابحي المذكور قيل إنه صحابي مدني. وقيل: هو عبد الرحمن بن عسيلة المرادي أبو عبد الله الصنابحي، وهو ثقة من كبار التابعين، قدم المدينة بعد وفاة النَّبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أيام، مات في خلافة عبد الملك. وعلى كلا التقديرين فرواية الصنابحي المذكور إما رواية صحابي أو تابعي ثقة، وبها تعتضد رواية المخدجي المذكور. ورجال سند أبي داود هذا غير عبدالله الصنابحي ثقات، معروفون لا مطعن فيهم.